فصل: شهر ربيع الثاني سنة 1229:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.شهر ربيع الأول 1229:

وفيه، انتقل الشريف غالب بعياله من بيت السيد محمد المحروقي إلى المنزل الذي أعدوه له وهو بيت لطيف باشا بسويقة العزى بعد ما أصلحوه وبيضوه وأسكنوه به وعليه اليسق والعسكر الملازمون لبابه وفيه، أبرز كتخدا بك فرماناً وصل إليه من الباشا يتضمن ضبط جميع الالتزام لطرف الباشا ورفع أيدي الملتزمين عن التصرف بل الملتزم يأخذ فائظه من الخزينة فلما أشيع ذلك ضج الناس وكثر فيهم اللغط واجتمعوا على المشايخ فطلعوا إلى كتخدا بك وسألوه فقال نعم ورد من أفندينا أمر بذلك ولا يمكنني مخالفته فقالوا له كيف تقطعون معايش الناس وأرزاقهم وفيهم أرامل وعواجز وللواحدة قيراط أن نصف قيراط يتعيشن من إيراده فينقطع عنهن فقال يأخذن الفائظ من الخزينة العامرة عرضحال وننتظر الجواب فأجابهم إلى ذلك من باب المسايرة وفك المجلس وشرع الشيخ المهدي في ترصيف العرضحال فكتبوه وختموا عليه بعد امتناع البعض الذي ليس له التزام وكثر اللغط فيهم بسبب ذلك.
وفي خامسه، حضر جمع كثير من النساء الملتزمات إلى الجامع الأزهر وصرخوا في وجوه الفقهاء وأبطلوا الدروس وبددوا محافظهم وأوراقهم فتفرقوا وذهبوا إلى دورهم وكان قد اجتمع معهم الكثير من العامة واستمروا في هرج إلى بعد العصر ثم جاءهم من يقول لهم كلاماً كذباً سكن به حدتهم فانفض الجمع وذهب النساء وهن يقلن نأتي في كل يوم على هذا المنوال حتى يفرجوا لنا عن حصصنا ومعايشنا وأرزاقنا وفي ظن الناس وغفلتهم أن في الإناء بقية أوانهم يدفعون الرزية وما علموا أن البساط قد انطوى وكل قد ضل وأضل وغوى ومال عن الصراط واتبع الهوى وكلب الجور قد كشر أنيابه وعوى ولم يجد له طارداً ولا معارضاً ولا معانداً ولما وصل الخبر إلى كتخدا بك طلب بعض المشايخ وقال له ما خبر هذه الجمعية بالأزهر فقال لهم بسبب ما بلغهم عن قطع معاشهم وإنما أنتم الذين تسلطونهم على هذه الفعال لأغراضكم ولا بد أني أستخبر على من غراهم وأخرج من حقه وطلبه علي آغا الوالي وقال له أخبرني عن هؤلاء النساء من أي البيوت فقال وما علمي ومن يميزهن وغالبهن وأكثرهن نساء العساكر ولا قدرة لي على منعهن وانقض المجلس وبردت همتهم وانكمشوا وشرعوا في تنفيذ ما أمروا به وترتيبه وتنظيمه.
وفيه، حضر محمود بك والمعلم غالي فأقاما أياماً وسافرا في ثالث عشره، وفيه، أحضروا حسن أغا محرم المعروف بنجائي من إقليم المنوفية وهو مريض وتوفي في ثاني يوم ودفن.
وفي خامس عشره،مر الآغا والوالي وأغات التبديل وهم يأمرون الناس بكنس الأسواق ورشها حالاً في ذلك الوقت من غير تأخير فابتدر الناس ونزلوا من حوانيتهم وبأيديهم المكانس يكنسون بها تحت حوانيتهم ثم يرشونها.
وفي تاسع عشره، حضر الشريف عبد الله ابن الشريف سرور أرسله الباشا إلى مصر من ناحية القصير منفياً من أرض الحجاز فأنزلوه بمنزل أحمد آغا كتخدا بك محجوزاً عليه ولم يجتمع مع عمه ولم يره.
وفيه، كثر الطلب للريال الفرانسة بسبب احتياج دار الضرب وما يرسل إلى الباشا من ذلك وألزموا التجار بإحضار جملة من ذلك ويأخذون بدلها قروشاً مقادير على أفرادهم بما يحتمله وجمعوا ما قدروا عليه منها.
وفيه، شنق شخص يسمى صالح عند باب زويلة واستمر معلقاً يومين وسبب ذلك أنه يدعى الجذب والولاية وتزوج بامرأة وأخذ متاعها ومالها وحصل لها خلل في عقلها فأنهوا أمره إلى كتخدا بك فأمر بحبسه واستخلصوا منه جانباً مما أخذه من متاع المرأة وكثر كلام الناس في حقه فأمر الكتخدا بشنقه.
وفي أواخره، حضر إبراهيم بك ابن الباشا من الجهة القبلية ونزل بالبيت الذي اشتراه بناحية الجمالية بدرب المسمط وهو بيت أحمد بن محرم.

.شهر ربيع الثاني سنة 1229:

واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الأربعاء، وفي ليلة الاثنين سادسه، حضر ميمش آغا من ناحية الحجاز مرسلاً من عند الباشا باستعجال حسن باشا للحضور إلى الحجاز وكان قبل ذلك بأيام أرسل يطلب سبعة آلاف عسكري وسبعة آلاف كيس فشرع كتخدا بك في استكتاب أشخاص من أخلاط العالم ما بين مغاربة وصعايدة وفلاحي القرى فكان كل من ضاق به الحال في معاشه يذهب ويعرض نفسه فيكتبونه وإن كان وجيهاً جعله أميراً على مائة أو مائتين ويعطيه أكياساً يفرقها في أنفاره ويشتري فرساً وسلاحاً ويتقلد بسيف وطبنجات وكذلك أنفاره ويلبسون قناطيش ولباساً مثل لبس العسكر ويعاق له وزنة بارود تحت إبطه ويأخذ على كتفه بندقية ويمشون أمام كبيرهم مثل الموكب وفيهم أشخاص من الفعلة الذين يستعملون في شيل التراب والطين في العمائر وبرابرة وأرسل الكتخدا إلى الفيوم وغيرها بطلب رجال من أمثال ذلك وجمعوا الكثير من أرباب الصنائع مثل الخبازين والفرانين والنجارين والحدادين والبياطرة وغيرهم من أرباب الصنائع ويسحبونهم قهراً فأغلق الفرانون مخابزهم وتعطل خبيز خبز الناس أياماً وفيه، ورد الطلب لحسن الباشا فشرع في تشهيل أحواله ولوازم سفره ثم حضر ميمش أغا باستعجاله واستعجال المطلوبات من الأموال وغيرها.
وفيه، قبضوا على اليهود الموردين الذين يوردون الذهب والفضة لدار الضرب بسبب إحضار الفرانسة وقد قلت بأيدي الناس جد الكثرة أخذها والطلب لها وانقطاع مجيئها من بلادها فحبسوهم وضربوهم ونزلوا في أسوأ حال متحيرين وذلك أن راتب الضربخانة سبعة آلاف في كل يوم عنها ثلاثة وستون ألف درهم وقدرها ثلاث مرات من النحاس يضربون ذلك قروشاً حتى بلغ سعر النحاس القراضة مائة وعشرين نصفاً فضة.
وفي تاسعه، حضر محمود بك الدويدار والمعلم غالي من سرحتهما إلى مصر وهما المتآمران على مباشرة قياس الأراضي وتشهيل المال المفروض وسبب حضورهما أن إبراهيم باشا أرسل بطلبهما للحضور ليتشاور معهما في أمر فأقاما وعادا راجعين إلى شغلهما.
وفي منتصفه، سافر إبراهيم باشا عائداً إلى أسيوط وذهب صحبته أخوه إسمعيل باشا والبيكات الصغار خوفاً وهروباً من الطاعون.
وفيه، كمل تعمير الجامع الذي عمره دبوس أوغلي الذي بقرب داره التي بفيط العدة وهو جامع جوهر العيني وكان قد تخرب فهدمه جميعه وأنشأه وزخرفه ونقل لعمارته أنقاضاً كثيرة وأخشاباً ورخاماً من بيت أبي الشوارب وعمل به منبراً بديع الصنعة واستخلص جهة أوقافه أطياناً وأماكن من واضعي اليد.
وفيه، أرسلوا جملة أخشاب إلى الحجاز مطلوبة إلى الباشا.
وفيه، أيضاً نادوا على سكان الجيزة بالخروج منها بعد عصر يوم السبت ومن لا يريد الخروج فلا يخرج بعد ذلك ومن خرج فلا يدخل وأمهلوهم إلى الغروب فخرجوا بأمتعتهم وأطفالهم وأولادهم وأوانيهم إلى خارج البلدة وبات الأكثر منهم تحت السماء لضيق الوقت على الرحيل إلى بلدة أخرى وخرج أيضاً الكثير من عساكرهم وأتباعهم ممن لا يريد المقام والحبس فكانوا كلما وجدوا من جمل متاعه من أهل البلدة على حمار ليذهب إلى جهة يستقر بها ورموا به إلى الأرض وأخذوا الحمار وحصل لأهل الجيزة في تلك الليلة ما لا مزيد عليه من الكرب والجلاء عن أوطانهم وكل ذلك مجرد وهم مع قلة وجود الطعن إلا التزر اليسير.
وفي ثالث عشرينه، سافرت خزينة المال المطلوبة إلى الباشا إلى جهة السويس وأصحبوا معها عدة كبيرة من عسكر الدلاة لخفارتها وقدرها ألفان وخمسمائة كيس جميعها قروش.

.شهر جمادى الأولى سنة 1229:

استهل بيوم الجمعة، في ثالثه خرج حسن باشا بعساكره ونزل بوطاقه وخيامه التي نصبت له بالعادلية قبل خروجه بيومين.
وفي رابعه، وصلت هجانة من ناحية الحجاز بطلب حسن بك دالي باشا وأخشاب واحتياجات وجمال والذي أخبر به المخبرون عن الباشا وعساكره أن طوسون باشا وعابدين ركبوا بعساكرهم على ناحية تربة التي بها المرأة التي يقال لها غالية فوقعت بينهم حروب ثمانية أيام ثم رجعوا منهزمين ولم يظفروا بطائل ولأن العربان نفرت طباعهم من الباشا لما حصل منه في حق الشريف من القبض عليه وهاجر الكثير من الأشراف وانضموا إلى الأخصام وتفرقوا في النواحي ومنهم شخص يقال له الشريف راجح فأتى من خلف العسكر وقت قيام الحرب وحاربهم ونهب الذخيرة والأحمال من العربان المسالمين له بأغلى ثمن وأخبروا أيضاً أنه واقع بالحرمين غلاء شديد لقلة الجالب واحتكار الباشا للغلال الواصلة إليه من مصر فيبيعه حتى على عسكره بأغلى ثمن من التجبر على المسافرين والحجاج في استصحابهم شيئاً من الحب والدقيق فيفتشون متاعهم في السويس ويأخذون ما يجدونه معهم مما يتزودن يه في سفرهم من القمح أو الدقيق وما يكون معهم من الفرانسة لنفقتهم وأعطوهم بدلها من القروش.
وفيه، بلغ صرف الريال الفرانسة من الفضة العددية ثمانمائة وعشرين نصفاً عناه ثمانية قروش والمشخص عشرون قرشاً وقل وجود الفرانسة والمشخص والمحبوب المصري بأيدي الناس جداً ثم نودي على أن يصرف الريال بسبعة قروش والمشخص بستة عشر قرشاً وشددوا قفي ذلك وعاقبوا من زاد على ذلك في قبض أثمان المبيعات وأطلقوا في الناس جواسيس وعيوناً فمن عثروا عليه في مبيع أو غيره أنه قبض بالزيادة أحاطوا به وأخذوه وعاقبوه بالحبس والضرب والتغريم وربما أرسلوا من طرفهم أشخاصاً متنكرين يأتي أحدهم للبائع فيساومه السلعة كأنه مشتر ويدفع له في ضمن الثمن ريالاً أو مشخصاً ويحسبه بحسابه الأول ويناكره في ذلك فربما تجاوز البائع خوفاً من بوار سلعته وخصوصاً إذا كانت البيعة رابحة أو بيعة استفتاح على زعم الباعة وقلة الزبون بسبب وقف حال الناس أو إفلاسهم فما هو إلا أن يتباعد عنه يسيراً فما يشعر إلا وهو بين يدي الأعوان ويلاقي وعده.
وفي منتصفه، وصلت قافلة من السويس وفيها جملة من العسكر المتمرضين ونحو العشرة من كبارهم نفاهم الباشا إلى مصر وفيهم حجو أوغلي ودالي حسن وعلي أغادرمنلي وترجوا وحسن أغا أزرجنلي ومصطفى ميسوا وأحمد أغا قنبور.
وعليه أيضاً، خرج عسكر المغاربة ومن معهم من الأجناس المختلفة إلى مصر العتيقة ليذهبوا من الناحية القصير إلى الحجاز وأما محو بك فإنه لم يزل بقنا القلة المراكب بالقصير التي تحملهم إلى الحجاز.
وفي سادس عشره، وصلت قافلة وفيها أنفار من أهل مكة والمدينة وسفار وبضائع تجارة بن وأقمشة وبياض شيء كثير وقد أتت إلى جدة من تجارات الشريف غالب ولم يبلغهم خبر الشريف غالب وما حصل له فلما حضر وضع الباشا يده عليه جميعه وأرسل إلى مصر فتولى ذلك السيد محمد المحروقي وفرقها على التجار بالثمن الذي قدره عليهم وألزمهم أن لا يدفعوه إلا فرانسة.
وفي هذا الشهر، وصل الخبر بموت الشيخ مسعود كبير الوهابية وتولى مكانه ابنه عبد الله.
وفيه، خرج طائفة الكتبة والأقباط والروزنامجي والجاجرتية وذهب الجميع إلى جزيرة شلقان ليحرروا دفاتر على الروك الذي راكوه من قياس الأراضي زيادة الأطيان وجفل الكثير من الفلاحين وأهالي الأرياف وتركوا أوطانهم وزرعهم وهالهم هذا الواقع لكونهم لم يعتادوه ويألفوه وباعوا مواشيهم ودفعوا أثمانها في الذي طلع عليهم في الزيادات الهائلة وسيعودون مثل الكلاب ويعتادون سلخ الإرهاب وأما الملتزمون فبقوا حيارى باهتين وارتفع أيدي تصرفهم في حصصهم ولا يدرون عاقبة أمرهم منتظرين رحمة ربهم وان وقت الحصاد وهم ممنوعون عن ضم زرع وسياهم إلى أن أذن لهم الكتخدا بذلك وكتب لهم أوراقاً وتوجهوا بأنفسهم أو بمن ينوب عن مخدومه وأراد ضم زرعه ولم يجد من يطيعه بهم وتطاولوا عليهم بالألسنة فيقول الحرفوش منهم إذا دعي للشغل بأجرته روح انظر غيري أنا مشغول في شغلي أنتم إيش بقالكم في البلاد قد انقضت أيامكم إحنا صرنا فلاحين الباشا وقد كانوا من الملتزمين أذل من العبيد المشترى فربما أن العبد يهرب من سيده إذا كلفه فوق طاقته أو أهنه بالضرب وأما الفلاح فلا يمكنه ولا يسهل به أن يترك وطنه وأولاده وعياله ويهرب وإذا هرب إلى بلدة أخرى واستعلم أستاذه مكانه أحضره قهراً وازداد ذلاً ومقتاً وإهانة وكان من طرائفهم أنه إذا آن وقت الحصاد والتحضير طلب الملتزم أو قائم مقامه الفلاحين فينادي عليهم الغفير أمس اليوم المطلوبين في صبحه بالتبكير إلى شغل الملتزم فمن تخلف لعذر أحضره الغفير أو المشد وسحبه من شنبه وأشبعه سباً وشتماً وضرباً وهو المسمى عندهم بالعونة والسخرة واعتادوا ذلك بل يرونه من اللازم الواجب وهذا خلاف ما يلقونه من الإذلال والتحكم من مشايخهم والشاهد والنصراني الصراف وهو العمدة والعهدة خصوصاً عند قبض المال فيخالطهم ويناكرهم وهم له أطوع من أستاذهم وأمره نافذ فيهم فيأمر قائمقام بحبس من شاء أو ضربه محتجاً عليهم ببواقي لا يدفعها وإذا غلق أحدهم ما عليه من المال الذي وجب عليه في قائمة المصروف وطلب من المعلم ورده وهي ورقة الغلاق وعده لوقت آخر حتى يحرر حسابه فلا يقدر الفلاح على مراددته خوفاً منه فإذا سأله من بعد ذلك قال له بقي عليك حبتان من فدان أو أخروبتان أو نحو ذلك ولا يعطيه ورقة الغلاق حتى يستوفي منه قدر المال أو يصانعه بالهدية والرشوة وغير ذلك أمور وأحكام خارجة عن إدراك البهيمة فضلاً عن البشرية كالشكاوي ونحوها وذلك كما إذا تشاجر أحدهم مع آخر على أمر جزئي بادر أحدهم بالحضور إلى الملتزم وتمثل بين يديه قائلاً أشكو إليه فلاناً بمائة ريال مثلاً فبمجرد قول ذلك يأمر بكتابة ورقة خطاباً إلى قائمقام أو المشايخ بإحضار ذلك الرجل المشتكي واستخلاص القدر الذي ذكره الشاكي قليلاً أو كثيراً أو حبسه وضربه حتى يدفع ذلك القدر ويرسل والورقة مع بعض أتباعه ويكتب بهامشها كراء طريقة قليلاً أو كثير أو يسمونه حق الطريق فعند وصوله أول شيء يطالب به الرجل حق الطريق المعين ثم الشكوى فإن بادر ودفعها وإلا حبس أو حضر به المعين إلى بيت أستاذه فيوعده الحبس ويعاقبه بالضرب حتى يوفي القدر الذي تلفظ به الشاكي وإن تأخر عن حضوره المعين أردفه بآخر وحق طريق الآخر كذلك ويسمونها الاستعجالة وغير ذلك أحكام وأمور غير معقولة المعنى قد ربوا عليها واعتادوا لا يرون فيها بأساً ولا عيباً وقد سلط الله على هؤلاء الفلاحين بسوء أفعالهم وعدم ديانتهم وخيانتهم وإضرارهم لبعضهم البعض من لا يرحمهم ولا يعفو عنهم كما قال فيهم البدر الحجازي وسبعة بالفلح قد أنزلت لما حووه من قبيح الفعال شيوخهم أستاذهم والمشد والقتل فيما بينهم والقتال مع النصارى كاشف الناحية وزد عليها كدهم في اشتغال وفقرهم ما بين عينيهم مع اسوداد الوجه هذا النكال وإذا التزم بهم ذو رحمة أزدروه في أعينهم واستهانوا به وبخدمه وماطلوه في الخراج وسموه بأسماء النساء وتمنوا زوال التزامه بهم وولاية غيره من الجبارين الذين لا يخافون ربهم ولا يرحمهم لينالوا بذلك أغراضهم بوصول الأذى لبعضهم وكذلك أشياخهم إذا لم يكن الملتزم ظالماً يتمكنون هم أيضاً من ظلم فلاحيهم لأنهم لم يحصلوا لهم رواج إلا بطلب الملتزم الزيادة والمغارم فيأخذون لأنفسهم في ضمنهاما أحبوا وربما وزعوا خراج أطيانهم وزراعاتهم على الفلاحين وقد انحرم هذا الترتيب بما حدث في هذه الدولة من قياس الأراضي والفدن وما سيحدث بعد ذلك من الإحداثات التي تبدو قرائنها شيئاً بعد شيء. بما حدث في هذه الدولة من قياس الأراضي والفدن وما سيحدث بعد ذلك من الإحداثات التي تبدو قرائنها شيئاً بعد شيء.
وفي ثاني عشرينه، برز حسن بك باشا دالي خيامه إلى خارج باب النصر وخرج هو في ثاني يوم في موكب ونزل بوطاقه ليتوجه إلى الحجاز على طريق البر.
وفي ليلة الأربعاء، سابع عشرينه قبل الغروب بنحو نصف ساعة وصل جراد كثير مثل الغمام وصار يتساقط على الدور والأسطحة والأزقة مثل الغمام وأفسد كثيراً من الأشجار وانقطع أثره في ثاني يوم.
وفي يوم الاثنين، عاشره ارتحل حسن باشا من ناحية الشيخ قمر إلى بركة الحج.
وفي منتصفه، حضر الروزنامجي والأفندية بعد أن استملى منهم القبط الدفاتر وأسماء الملتزمين ومقادير حصصهم ثم حضر محمود بك والمعلم غالي ومن معهم من الكتبة الأقباط وظهر للناس عند حضورهم نتيجة صنعوه ونظموه ورتبوه من قياس الأراضي ورك البلاد وهو أن الأراضي زادت في القياس بالقصبة التي قاسوا بها وحددوها مقدار الثلث أو الربع حتى قاسوا الرزق الأحباسية بأسماء أصحابها ومزارعيها وأطيان الوسايا على حدتها حتى الأجران وما لا يصلح للزراعة وما يصلح من البور الصالح وغير الصالح فلما تم ذلك حسبوها بزياداتها بالأفدنة ثم جعلوها ضرائب منها ضريبة خمسة عشر ريالاً وأربعة عشر واثني عشر وأحد عشر وعشرة مال الفدان بحسب جودة الإقليم والأرض فبلغ ذلك مبلغاً عظيماً بحيث أن البلدة التي كانت يفرض عليها في مغارم الفرض التي كانوا فرضوها قبل ذلك في سنيهم الماضية ويتشكى منها الفلاحون والملتزمون ويستغيثون ويبقى منها بواقي ويعجزون عنها ألف ريال طلع عليها في هذه اللفة عشرة آلاف ريال إلى مائة ألف وأقل وأكثر وأحضر الكتخدا إبراهيم آغا الرزاز والشيخ أحمد يوسف وخلع عليهما خلعتين وجعلوا لهما ديواناً خاصاً لمن يلتزم بالقدر الذي تحرر على حصته التي في تصرفه فيعطونه ورقة تصرف ويكتب على نفسه وثيقة بأجل معلوم يقوم بدفع ذلك ويتصرف في حصته بشرط ان لا يكون له إلا أطيان الأوسية إن شاء زرعها وأخذ غلتها وإن شاء أجرها لمن شاء وليس له من مال الخراج إلا المال الحر المعين بسند الديوان المعروف بالتقسيط وما زاد في قياس الأرض من طين الفلاحة والأوسية فهو للميري قل أو كثر، وأما الرزق الأحباسية المرصدة على البر والصدقة ولأهل المساجد والأسبلة والمكاتب والخيرات فإنهم مسحوها بقياسهم، فما وجدوه زائداً عن الحد الأصلي جعلوه للديوان وما يقي قيدوه وحرروه باسم واضع اليد عليها واسم واقفها وزارعها أو ما يمليه المزارع الحاضر وقت القياس وسؤال المباشرين وقرروا عليها المال مثل ضريبة البلد فإن أثبتها صاحبها، وكان بيده سند جديد من أيام الوزير وشريف أفندي، وما بعده على سبقه لوقت تاريخه قيدوا له نصف مال تآجرها والنصف الثاني الباقي للديوان ورسموا لكاتب الرزق أن يعمل ديواناً لذلك ومعه عدة من الكتبة ويأتي إله الناس بأوراق سنداتهم فمن وجد بيده سنداً جديداً كتب له صورة قيد الكشف بموجب ما هو بدفتره في ورقة فيذهب بها إلى الديوان فيقيدون ذلك بعد البحث والتعنت من الطرفين ويقع الاشتباه الكثير في أسماء أربابها وأسماء حيضانها وغيطانها فيكلفون صاحب الحاجة بإثبات ما ادعاه ويكتب له أوراقاً لمشايخ الناحية وقاضيها بإثبات ما يدعيه ويعود مسافراً ويقاسي ما يقاسيه من مشقة السفر والمصرف ومعاكسة المشايخ وقاضي الناحية، ثم يعود إلى الديوان بالجواب، ثم يمكن الاحتجاج عليه بحجة أخرى وربما كان سعيه وتعبه على فدان واحد أو أقل أو أكثر وازدحم الناس على بيت كاتب الرزق وانفتح له بذلك باب لأنه لا يكتب كشفاً حتى يأخذ عليه دراهم تعينت على قدر الأفدنة وأضاع الكثير من الناس ما تلقوه من أسلافهم، وما كانوا يرتزقون منه وأهملوا تجديد السندات واتكلوا على ما بأيديهم من السندات القديمة لجهلهم وظنهم انقضاء الأمر وعدم دوام الحال وتغير الدولة وعود النسق الأول أو لفقرهم وعدم قدرتهم على ما ابتدعوه من كثرة المصاريف التي تصرف على تجديد السند واشتغال مال الحماية التي قدرها شريف أفندي على أراضي الرزق على كل فدان عشرة أنصاف أو خمسة فكثير من الناس استعظم ذلك واعتمد على أوراقه القديمة فضاعت عليه رزقته وانحلت وأخذها الغير والذي لم يرض بالتوت بل ولا حصل حطبه رضي بالولاش وكان الشأن في أمر الرزق أن أراضيها تزيد عن موقع أراضي البلاد زيادة كثيرة وخراجها أقل من خراج أراضي البلاد الذي يقال له المال الحر الأصلي وليس عليها مصاريف ولا مغارم ولا تكاليف فالمزارع من الفلاحين إذا كان تحت رزقه أو رزقتين فإنه يكون مغبوطاً ومحسوداً في أهل بلده ويدفع لصاحب الأصل القدر النزر والمزارع يتلقى ذلك سلفاً عن خلف ولا يقدر صاحب الأصل ان يزيد عليه زيادة وخصوصاً إذا كانت تحت يد بعض مشايخ البلاد فلا يقدر أحد أن يتعدى عليه من الفلاحين ويستأجرها من صاحبها وإن فعل لا يقدر على حمايتها والكثير من الرزق واسعة القياس جداً وما لها قليل جداً وخصوصاً في الأراضي القبلية فإن غالبها رزق وشراوي ومتأخرات لم تمسح ولم يعلم لها فدادين ولا مقادير وقد تزيد أيضاً بانحسار البحر عن سواحلها وكذلك في البلاد البحرية ولكن دون ذلك ومعظم أراضي الرزق القبلية مرصدة على جهات الأوقاف بمصر وغيرها والواضعون أيديهم عليها لا يدفعون لجهاتها ولا لمستحقيها إلا ما هو مرتب ومقرر من الزمن الأول السابق وهو شيء قليل وليتهم لو دفعوه فإن في أوقاف السلاطين المتقدمة القطمة من الأراضي التي عبرتها أكثر من ألف فدان وخراجها خمسون زكيبة والزكيبة خمس ويبات أو من الدراهم ألفان فضة وأقل وأكثر وهي تحت يد بعض كبراء البلاد يزرعها ويأخذ منها الألوف من الأردب من أجناس الغلال ويضن ويبخل بدفع ذلك القدر اليسير لجهة وقفه ويكسر السنة على السنة فإن كانت يد صاحب الأصل قوية أو كان واضع اليد فيه خيرية وقليل ما هم دفع لأربابها ثمنها بعد أن يرد الخمسين إلى الأربعين بالتكسير والخلط، ثم يبخس الثمن جداً فإن كان ثمن الأردب أربعمائة حسبه بأربعين نصفاً أو أقل فيعود ثمن الخمسين زكيبة إلى ثمن زكيبتين وقس على ذلك والذي يكون تحت يده شيء من أطيان هذه الأوقاف وورثها من بعده ذريته فزرعوها وتقاسموها معتقدين ملكيتها تلقوها بالإرث من مورثهم ولا يرون أن لأحد سواهم فيها حقاً ولا يهون بهم دفع شيء لأربابه ولو قل إلا قهراً وبالجملة ما أصاب الناس إلا ما كسبت أيديهم ولا جنوا إلا ثمرات أعمالهم وكان معظم إدارات دوائر عظماء النواحي وتوسعاتهم ومضايفهم من هذه الأرزاق التي تحت أيديهم بغير استحقاق إلى أن سلط الله عليهم من استحوذ على جميع ذلك وسلب عنهم ما كانوا فيه من النعمة وتشتتوا في النواحي وتغربوا عن أوطانهم وخربت دورهم ومضايفهم وذهبت سيادتهم وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد وتسمع لهم ركزاً وفي بعض الأرزاق من مات أربابه وخربت جهاته ونسي أمره وبقي تحت يد من هو تحت يده من غير شيء أصلاً وقد أخبرني بنحو ذلك شمس الدين ابن حمودة من مشايخ برما بالمنوفية عندما أحضر إلى مصر في وقت هذا النظام أنه كان في حوزهم ألف فدان لا علم للملتزم ولا غيره بها وذلك خلاف ما بأيديهم من الرزق التي يزرعونها بالمال اليسير وخلاف المرصد على مساجد بلادهم التي لم يبق لها أثر وكذلك الأسبلة وغيرها وأطيانهم تحت أيديهم من غير شيء وخلاف فلاحتهم الظاهرة بالمال القليل لمصارف الحج لأنها كانت من جملة البلاد الموقوفة على مهمات أمير الحاج وقد انتسخ ذلك كله. وما لها قليل جداً وخصوصاً في الأراضي القبلية فإن غالبها رزق وشراوي ومتأخرات لم تمسح ولم يعلم لها فدادين ولا مقادير وقد تزيد أيضاً بانحسار البحر عن سواحلها وكذلك في البلاد البحرية ولكن دون ذلك ومعظم أراضي الرزق القبلية مرصدة على جهات الأوقاف بمصر وغيرها والواضعون أيديهم عليها لا يدفعون لجهاتها ولا لمستحقيها إلا ما هو مرتب ومقرر من الزمن الأول السابق وهو شيء قليل وليتهم لو دفعوه فإن في أوقاف السلاطين المتقدمة القطمة من الأراضي التي عبرتها أكثر من ألف فدان وخراجها خمسون زكيبة والزكيبة خمس ويبات أو من الدراهم ألفان فضة وأقل وأكثر وهي تحت يد بعض كبراء البلاد يزرعها ويأخذ منها الألوف من الأردب من أجناس الغلال ويضن ويبخل بدفع ذلك القدر اليسير لجهة وقفه ويكسر السنة على السنة فإن كانت يد صاحب الأصل قوية أو كان واضع اليد فيه خيرية وقليل ما هم دفع لأربابها ثمنها بعد أن يرد الخمسين إلى الأربعين بالتكسير والخلط، ثم يبخس الثمن جداً فإن كان ثمن الأردب أربعمائة حسبه بأربعين نصفاً أو أقل فيعود ثمن الخمسين زكيبة إلى ثمن زكيبتين وقس على ذلك والذي يكون تحت يده شيء من أطيان هذه الأوقاف وورثها من بعده ذريته فزرعوها وتقاسموها معتقدين ملكيتها تلقوها بالإرث من مورثهم ولا يرون أن لأحد سواهم فيها حقاً ولا يهون بهم دفع شيء لأربابه ولو قل إلا قهراً وبالجملة ما أصاب الناس إلا ما كسبت أيديهم ولا جنوا إلا ثمرات أعمالهم وكان معظم إدارات دوائر عظماء النواحي وتوسعاتهم ومضايفهم من هذه الأرزاق التي تحت أيديهم بغير استحقاق إلى أن سلط الله عليهم من استحوذ على جميع ذلك وسلب عنهم ما كانوا فيه من النعمة وتشتتوا في النواحي وتغربوا عن أوطانهم وخربت دورهم ومضايفهم وذهبت سيادتهم وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد وتسمع لهم ركزاً وفي بعض الأرزاق من مات أربابه وخربت جهاته ونسي أمره وبقي تحت يد من هو تحت يده من غير شيء أصلاً وقد أخبرني بنحو ذلك شمس الدين ابن حمودة من مشايخ برما بالمنوفية عندما أحضر إلى مصر في وقت هذا النظام أنه كان في حوزهم ألف فدان لا علم للملتزم ولا غيره بها وذلك خلاف ما بأيديهم من الرزق التي يزرعونها بالمال اليسير وخلاف المرصد على مساجد بلادهم التي لم يبق لها أثر وكذلك الأسبلة وغيرها وأطيانهم تحت أيديهم من غير شيء وخلاف فلاحتهم الظاهرة بالمال القليل لمصارف الحج لأنها كانت من جملة البلاد الموقوفة على مهمات أمير الحاج وقد انتسخ ذلك كله.
وفيه، أخبر المخبرون أم مراكب الموسم وصلت في هذا العام إلى جدة وكان لها مدة سنين ممتنعة عن الوصول خوفاً من جور الشريف وزواله وتملك الدولة البلاد وظنهم فيهم العدل فاطمأنوا وعبروا متاجرهم وحضروا إلى جدة فجمع الباشا مكوسهم فبلغت أربعة عشرين لكاً واللك الواحد مائة ألف فرانسة فيكون أربعة وعشرين مائة ألف فرانسة فقبضها منهم بضائع ونقوداً وحسب البضائع بأبخس الأثمان ثم التفت إلى التجار الذين اشتروا البضائع وقال لهم إني طلبت منكم مراراً أن تقرضوني المال فادعيتم الإفلاس ولما حضر الموسم بادرتم بأخذه وظهرت أموالكم التي كنتم تبخلون بها فلا بد أن تقرضوني ثلثمائة ألف فرانسة فصالحوه على مائتي ألف دفعوها له نقوداً وبضائع مشترواتهم حسبها لهم العشرة ستة ثم فرض على أهل المدينة ثلاثين ألف فرانسة.